وزير سابق في حكومة دياب “يفضفض”: أعاني البطالة!
من المعروف عمومًا أنّ من يشغل مركزًا في السلطة يميل إلى التقيد بسلوك محسوب ورقابة ذاتية، تجنبًا للدعسات الناقصة التي قد تكون مكلفة له وتفاديًا لكشف محظور او مستور في غير أوانه.
أمّا بعد مغادرة المنصب، فإنّ من كان يتولاه يصبح تلقائيًا أكثر حرية في البوح بمكنوناته ويتحول من مسؤول رسمي إلى “شاهد عيان”.
ومع تشكيل حكومة جديدة تحرّر وزراء حكومة الرئيس حسان دياب من “الإقامة الجبرية” التي فرضتها مرحلة تصريف الأعمال الطويلة بعد الاستقالة القسرية، وبالتالي بات بعضهم أكثر قدرة على “الفضفضة” وكشف عينات من خفايا تجربته الشخصية في الحكم.
وضمن هذا السياق، يؤكد وزير سابق في حكومة دياب أنه يشعر الآن بأنّ عبئًا ثقيلًا أزيح عن كاهله، “لأنّ المسؤوليات الملقاة علينا كانت كبيرة بينما القدرات متواضعة”. ويقول في مجلس خاص: ضميري مرتاح لأنّني فعلت أقصى ما أستطيع ولم أتلوّث بالفساد. بعد تسليم الوزارة غادرت في إجازة عائلية إلى خارج لبنان لبضعة أيام كي أحصل على قسطٍ من الراحة، واتّكلت على مساعدة ابنائي لي حتى اسدّد تكاليف هذه الإجازة لأنّني لا أستطيع وحدي أن أسدّدها.
ويضيف شاكيًا: لقد أصبحت الآن بلا عمل بعدما فقدت وظيفتي السابقة التي استقلت منها عند تعييني وزيرًا. البطالة أصابتني كما أصابت كثيرين، وها أنا أبحث عن عمل جديد، حتى استطيع أن أعيل عائلتي وألبّي احتياجاتها.
وبالانتقال من الخاص إلى العام، يلفت الوزير السابق إلى أنّه اكتشف من الداخل كم أنّ الدولة أصبحت هزيلة وضعيفة، موضحًا أنّه تبيّن له بأنّ معظم المؤسسات الرسمية تفتقر إلى الفعالية بعدما أصبحت هيكلًا خارجيًا من دون جوهر حقيقي نتيجة الفساد والهدر والطائفية والمحسوبيات. والأخطر، بالنسبة إلى الوزير الخارج للتو من السلطة، هو غياب الهيبة وما يتركه ذلك من آثار بالغة السلبية، “إذ أنّ أي دولة تخسر هيبتها تغدو من دون وزن وتفقد احترام الآخرين لها، وللأسف صار الكل يستسهل الاستقواء على الدولة في لبنان بدل الاستقواء بها.”
ويتابع: أنا كنت قبل تولي الوزارة لا أتعاطى السياسة مباشرة ولم تكن لديّ فكرة واسعة عمّا يدور في كواليسها ودهاليزها. بعد تجربتي في الوزارة اكتشفت أنّ السياسة في لبنان تعادل الكذب والنفاق، ولذلك قرّرت بعد خروجي من السلطة ألّا اترشح إلى الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصًا أنّ المطلوب لكي أفوز ان أترشح على لائحة قوية، وأنا لا يمكنني التواجد على لائحة لا تشبهني في خياراتها السياسية، فقط من أجل كسب مقعد في المجلس.
ويشير إلى أنّ “ما عاينته عبر تفاعلي كوزير مع النواب الذين كانوا يزورني في مكتبي لا يشجّع بتاتًا على خوض مثل هذه المغامرة، إذ أنّ النائب كان يبدو أمامي كأنّه معقب معاملات أو مختار، يأتي للحصول على خدمة أو واسطة من أجل إرضاء ناخبيه في منطقته، وفي بعض الأحيان كان يحصل احتكاك وتوتر بيني وبين بعض النواب الذين كانوا يصرون على انتزاع خدمات مخالفة للقانون وأحيانًا كنت أضع البلوك على أرقامهم الهاتفية حتى لا يعاودوا الاتصال بي”.
ويعتبر أنّ “المرحلة التي تولينا فيها زمام الأمور ظلمتنا، اذ اجتمعت كلّ الأعباء والمصائب علينا من وباء كورونا إلى انفجار المرفأ مرورًا بتداعيات الانهيار الاقتصادي ووضع العوائق السياسية أمام الحكومة، وفي المقابل كنا نحارب على جبهات كثيرة بأسلحة خفيفة، بعدما استلمنا دولة مفلسة، وواجهتنا منظومة مستشرسة في الدفاع عن مصالحها والمفارقة أنّ بعض أطرافها كان يزايد علينا بينما هو أصل الأزمة أو أقلّه أحد أسبابها الأساسية، لكن وبدل أن يخجلوا على قاعدة إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا، راحوا يصوّبون سهامهم نحونا ويحملوننا وزر ارتكاباتهم المتراكمة وتركتهم الثقيلة، وحتى بعد استقالة الحكومة ظلّوا يحملوننا المسؤولية بينما كان واجبهم التعجيل في تشكيل حكومة جديدة”.
وإلى جانب ضغط العوامل الداخلية، يتوقف الوزير السابق عند “الحصار السياسي الخارجي الذي تعرضنا له، بحيث ان رئيس الحكومة لم بزر سوى دولة واحدة وانا كذلك”.
ويأمل في أن تستطيع الحكومة الجديدة فعل شيء، “علمًا أنّ بعض الإشارات الأولية فاجأتني كأن يلجأ أحد الوزراء الجدد إلى التحرك ضمن موكب كبير يتطلب ميزانية، أقلّه من أجل تأمين الوقود الذي يحتاج إليه”.
عماد مرمل